بــِـدع ... أبـاطـيـل خـطـرة ( 5 )
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورهـبـانـيّـة ابـتـدعـوهـا
قال الله تعالى
{ ورهـبـانـيّـة ابـتـدعـوهـا مـا كـتـبـنـاهـا عـلـيـهـم إلا ابـتـغـاء رضـوان الله فـمـا رعـوهـا حـق رعـايـتـهـا فـآتـيـنـا الـذيـن ءامـنـوا مـنـهـم أجـرهـم وكـثـيـر مـنـهـم فـاسـقـون ... الـحـديـد : 27 } .
تـمـسّـك أهـل الـبـدع بـهـذه الآيـة وفـسّـروهـا حـسـب أهـوائـهـم وقـالـوا إن هـذه الآيـة دلـيـل عـلـى اسـتـحـسـان الـبـدع مـن كـل الـوجـوه الـمـحـتـمـلـة ، واحـتـجّــوا بـقـول الله تـعـالـى { إلا ابـتـغـاء رضـوان الله } .
*************************
الـمـنـاقـشـة
هـذه الآيـة لـيـس فـيـهـا أي دلـيـل عـلـى اسـتـحـسـان الـبـدع بـأي حـال مـن الأحـوال ، واحـتـجـاجـهـم بـقـول الله سـبـحـانـه وتـعـالـى { إلا ابـتـغـاء رضـوان الله } فـإن كـان هـذا الـقـول مـن الله تـعـالـى يـرجـع إلـى قـولـه تـعـالـى { ورهـبـانـيّـة ابـتـدعـوهـا } ، فـالـحـجـة عـلـيـهـم هـؤلاء الـمـبـتـدعـيـن ، فـمـعـنـاه أن الله لـم يـكـتـبـهـا عـلـيـهـم لـكـنـهـم ابـتـدعـوهـا بـقـصـد الـتـقـرب إلـى الله ، وفـي هـذا ذم لـهـا ولـيـس مـدحًـا ، لأن الله لـم يـفـرضـهـا عـلـيـهـم ، ويـزيـدهـا قـبـحًـا أنـهـم مـع ابـتـداعـهـم لـهـا لـم يـرعـوهـا حـق رعـايـتـهـا وقـصـروا فـيـمـا ألـزمـوا أنـفـسـهـم بـه وهـذا نـوع مـن الـتـقـبـيـح والـتـشـنـيـع الـمـضـاعـف .
وإن كـان قـولـه تـعـالـى { ورهـبـانـيّـة ابـتـدعـوهـا } راجـع إلـى قـولـه تـعـالـى { مـا كـتـبـنـاهـا عـلـيـهـم } فـمـعـنـاه ألـزمـوا أنـفـسـهـم بـابـتـداعـهـا فـكـتـبـهـا الله عـلـيـهـم أي أصـبـحـت ديـنـا مـشـروعـا مـن لـدن أحـكـم الـحـاكـمـيـن ، وهـذا نـوع مـن الـتـقـريـر .
وقـد حـدث فـي ديـنـنـا ، فـكـان الـرسـول صلى الله عـلـيـه وسـلـم يُـقِـرّ أصـحـابـه عـلـى أقـوال وأفـعـال يـأتـون بـهـا لـم تـكـن مـشـروعـة مـن قـبـل ، وبـتـقـريـره لـهـا تـصـبـح شـرعًـا يُـعـبـد الله بـه . ( وأمـثـلـة ذلـك فـي الـسـنـة كـثـيـرة ) أمـا بـعـد وفـــاة الـرسـول صلى الله عـلـيـه وسـلـم فـإن الـشـرع لـم يَـعُـد بـحـاجـة إلـى زيـادة ، لأن الله أتـمّـه وأكـمـلـه ، ولـم يـتـرك الـرسـول صلى الله عـلـيـه وسـلـم شـيـئـا مما يُـقـربـنـا إلـى الـجـنـة إلا وقـد أمـرنـا بـه ، ولـم يَـدع أمـرًا يـقـربـنـا إلـى الـنـار إلا وقـد نـهـانـا عـنـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم .
هـذه الآيـة الـتـي ذكـرتـهـا أعـلاه هـي تـتـحـدث عـن شـرع مـن كـان قـبـلـنـا ، وهـو لـيـس شـرعـا لـنـا بـدلـيـل قـول الـرسـول صلى الله عـلـيـه وسـلـم :
( أعـطـيـت خـمـسًـا لـم يُـعـطـهـن أحـد مـن الأنـبـيـاء قـبـلـي .... فـذكـرهـا وآخـرهـا .... وكـان الـنـبـي يُـبـعـث إلـى قـومـه خـاصـة وبُـعِـثـت إلـى الـنـاس عـامّـة ) صـحـيـح الـبـخـاري و مـسـلـم .
وهـذا دلـيـل عـلـى أن شـرائـع الأنـبـيـاء الـسـابـقـيـن خـاصـة بـأقـوامـهـم ، ولـذلـك فـإن الإسـلام بـعـقـائـده وعـبـاداتـه وأحـكـامـه وشـرائـعـه شـرع تـام لا يـحـتـاج إلـى غـيـره بـل جـعـلـه الله مـهـيـمـنـا نـاسـخـا لـغـيـره مـن الـرسـالات الـسـابـقـة بـحـيـث يـجـب عـلـى كـل مـسـلـم أن لا يـرجـع إلا إلـيـه ، فـهـو الـشـريـعـة الـتـي حـفـظ الله أصـولـهـا وفـروعـهـا ، وارتـضـاهـا لـعـبـاده مـن الإنـس والـجـن إلـى أن يـرث الله الأرض ومـن عـلـيـهـا .
كـيـف يـكـون مـا عـلـيـه الـمـغـضـوب عـلـيـهـم والـضـالـون شـرعـا لـنـا وهـو يـشـتـمـل عـلـى بـاطـل وضـلال وشـرك وكـُـفـر وفـسـاد فـي الـعـقـيـدة والـعـبـادات ؟
لـقـد جـعـل الله لـنـا أصـلا عـظـيـمـا فـي الـديـن ، وهـو تـعـمّـد مـخـالـفـة أهـل الـكـتـاب والأمـم الأخـرى ، حـتـى تـتـحـقـق مـيـزة أمّـة الاسـلام بـالـمـنـهـج الـمـسـتـقـل والـعـبـادات الـمـسـتـقـلـة ، وحـتـى لا تـخـتـلـط عـبـادات هـذه الأمّـة الـمـخـتـارة بـأفـعـال الأمـم الأخـرى .
وضـّح شـيـخ الاسـلام ابـن تـيـمـيـة هـذا الأصـل تـوضـيـحـا فـي كـتـابـه ــ إقـتـضـاء الـصـراط الـمـسـتـقـيـم ــ وبـيـّـن فـسـاد قـاعـدة أهـل الـبـدع ( شـرع مـن قـبـلـنـا شـرع لـنـا ) .
وأيّـده الـشـاطـبـي حـيـث قـال : فـيـبـقـى مـا كـان شـرعًـا لـغـيـرنـا مـنـفـيّـا عـن شـرعـنـا كـمـا تـقـرر فـي عـلـم الأصـول .
ابـن تـيـمـيـة مـن الـمـشـرق ، والـشـاطـبـي مـن الـمـغـرب فـمـا الـذي جـمـع بـيـن أفـكـارهـمـا رغـم بـعـد الـديـار ؟
جـمـع بـيـنـهـمـا الـمـنـهـج الـعـلـمـي الـصـحـيـح والـحـرص عـلـى تـصـفـيـة الاسـلام مـن كـل شـائـبـة عـلـقـت بـمـنـهـلـه الـصـافـي فـي عـصـور الـفـسـاد والانـحـطـاط .