[size=18][color=blue][center]لماذا الاستقامة ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جمعتني به الصدفة نظرت إليه و قد ارتسم على محياه آثار التعب و الإعياء قرأت في وجهه الألم و الحسرة والضيق بادرته بالسلام رد علي مرحباً0
أتبعته السؤال بتطفل دفعني إليه ما بداخلي من رغبة في تخفيف بعض ما يعانيه فقلت : أخي مالي أراك متعباً مهموماً ؟ رد علي بسرعة يخالطها بعض الارتباك : لا شيء لا شيء
عاودته السؤال مرة أخري : أخي أرجوك أفصح لي عما بداخلك لعلي أسهم في مساعدتك 0
فأجاب دعني دعني لا أحد يستطيع مساعدتي 0
قلت له : أرجوك اسمح لي إن أشاركك و لو في الهم الذي تحمله و اعلم أن إفصاحك عن بعض ما تعانيه يهون عليك الكثير و الكثير فلا تحرمني مساعدتك فإني مشفق عليك 0
سكت قليلاً ثم قال : مشكلتي أن الهمَّ يحاصرني أشعر بضيق شديد تكاد تختلف له أضلعي كأن جبال الدنيا قد وضعت على صدري هموم متتابعة أرق بالليل و شقاء بالنهار حاولت تبديد تلك الهموم فعلت كل شيء غنيت و رقصت سافرت و عبثت و سكرت و أدمنت صاحبت أشقى الأصدقاء و عاقرت أجمل النساء فلم ازدد إلا شقاء و بلاء فقلي بربك هل أجد عندك الدواء ؟
لا أخفيك سراً أني تمنيت الموت لأتخلص من حياة الضنك و الشقاء فهل تملك حلاً لمشكلتي ؟ لا أظن ذلك 0
بادرته بابتسامة ممزوجة بالشفقة و قلت له : نعم أملك الحل لمشكلتك وهو هين يسير و أنت تملك زمامه 0
قال: أتهزأ بي و قد كشفت لك مكنون صدري الذي لم اكشفه لا حد قط ؟
قلت له :لا أهزأ بك بل أقسم لك بالله أنك تملك العلاج و بيدك أنت زمامه 0
أجابني بلهفة : قل لي ما هو هذا الحل الذي يخرجني من ألمي و حيرتي و شقائي ؟
قلت له : أيها الحبيب إن دواءك في الاستقامة على أمر الله 0
ضحك ضحكة ساخرة و قال : الاستقامة ! لماذا الاستقامة ؟ هل تريد أن تزيدني تعقيداً و هماً و ضيقاً ؟ ألا يكفي ما أعانيه ؟ فقد سألت عن حياة المستقيمين فقيل لي أنهم معقدون يحرّمون كل شيء لا يعرف الضحك إلى ثغورهم سبيلاً كل أوقاتهم حزن و بكاء فكيف أجد في حياتهم الدواء ؟
قلت له : هل جربت بنفسك الاستقامة ؟ هل عاشرت أحد المستقيمين ؟
قال : لا و لكن لماذا الاستقامة ؟ أتظن أنها ستحل مشكلتي ؟ ولماذا الاستقامة بالذات ؟
قلت له أما و قد أكثرت عليَّ السؤال لماذا الاستقامة ؟ فأمهلني بعض الوقت أجيبك على هذا السؤال فهل في وقتك متسع كي أبين لك كيف تكون الاستقامة سبباً للسعادة و لماذا الاستقامة بالذات ؟
أجابني : تفضل فوقتي كله ملك لك فالفراغ يكاد يغتالني .
قلت :إذاً فتحملني حتى أتم حديثي و لي رجاء ألا تقاطعني , فقط أرعني سمعك .
قال : لا بأس لا بأس تفضل . قلت له :
أولاً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة استجابة لأمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم
فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود:112)
و أمر عز و جل بالاستقامة فقال : ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (فصلت: من الآية6)
و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( سددوا و قاربوا ) و السداد هو حقيقة الاستقامة و هو الإصابة في جميع الأقوال و الأعمال و المقاصد *
و قال صلى الله عليه و سلم ( استقيموا و لن تحصوا ...) رواه الإمام أحمد
و عن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( قل اللهم اهدني و سددني ) و في رواية ( اللهم إني أسألك الهدى و السداد ) رواه مسلم . و عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال:قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً بعدك قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم .
فاستقامتك أخي الحبيب استجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم و الاستجابة لله
و لرسوله من أعظم أسباب الفلاح و الفوز قال تعالى
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)(الأحزاب: 71)
قال القرطبي رحمه الله : من يطع الله و رسوله ، فقد ظفر بالكرامة العظمى من الله 0 و قال الشوكاني رحمه الله : أي ظفر بالخير ظفراً عظيماً ، و نال خير الدنيا و الآخرة .
و قال تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (لأنفال: من الآية24) فلا حياة على الحقيقة و لا سعادة في الدنيا و الآخرة إلا في الاستجابة لأمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن القيم رحمه الله : فتضمنت هذه الآية أموراً : أحدها : أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله وللرسول ظاهراً وباطناً فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا ، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان . اهـ رحمه الله تعالى .
و قال رحمه الله : ( لا سبيل إلى السعادة و الفلاح في الدنيا و الآخرة إلا على أيدي الرسل و لا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهتهم و لا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم فالطيب من الأعمال و الأقوال
و الأخلاق ليس إلا هديهم و ما جاؤوا به فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه و العين إلى نورها و الروح إلى حياتها 0
فهل تستجيب أخي الحبيب لنداء الرب عز وجل حين دعاك إلى الاستقامة ؟
ثانياً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة موافقة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قال تعالى :
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
قال السعدي رحمه : الفطرة هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها و جعلهم مفطورين على محبة الخير و إيثاره و كراهة الشر و دفعه و فطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير و الإخلاص لله و التقرب إليه 0
قال صلى الله عليه و سلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )
و في الحديث القدسي : ( و إني خلقت عبادي حنفاء كلهم و إنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) رواه مسلم 0
أخي الحبيب إني أدعوك إلى الاستقامة لأنها عودة إلى الفطرة التي فطرك الله عليها إني أدعوك للتمرد على الشيطان الذي حرفك عن فطرتك السوية فأنت يا أخي تملك رصيداً عظيماً يدفعك إلى الاستقامة بقوة إنه رصيد الفطرة إن علاها ركام الذنوب و الآثام حتى و إن اشتطت عن الطريق السوي حتى و إن بعدت بينه و بين الحق الشُقة فبمجرد أن تعلن العودة إليها تسعفك و تؤازرك فهلا بادرة بالاستقامة ؟
أخي الحبيب اعلم أن ما تعانيه من شقاء و تعاسة إنما هو بسبب مخلفتك لهذه الفطرة فأنت في صراع دائم معها حتى تسلم لها العنان , فهل تسلم لها و توفقها لتسلم من الهم و الغم و الشقاء ؟ هل تسعفها بالحياة المستقيمة السوية ؟ فتجني ذلك سعادة و راحة و سروراً .
ثالثاً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة موافقة للعقل السليم الذي وهبك الله إياه فالعاقل لو خير بين طريقين أحدهما مستقيم معبّد واضح بيّن سهل و الآخر متشعب وعر معوج فلاشك أنه بعقله السليم يختار الطريق المستقيم فما بالك بطريقين أحدهما يوصل إلى رضوان الله و الجنة و الآخر يوصل إلى سخط الله و النار فماذا يختار العاقل اللبيب قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
و قال سبحانه: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الملك:22)
قال السعدي رحمه الله : [ أي الرجلين أهدى ؟ من كان تائهاً في الضلال غارقاً في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلاً و الباطل حقاً ؟ ومن كان عالماً بالحق مؤثراً له عاملاً به يمشي على الصراط المستقيم في أقواله و أعماله و جميع أحواله ؟ ] .
قال سيد قطب رحمه الله : [ إن الحالة الأولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله المحروم من هداه الذي يصادم نواميسه و مخلوقاته لأنه يعترضها في سيره و يتخذ له مساراً غير مسارها و طريقاً غير طريقها فهو أبداً في تعثر
و أبداً في عناء , و أبداً في ضلال .
و الحال الثانية : هي حال السعيد المجدود المهتدي إلى الله , الممتع بهداه , الذي يسير وفق نواميسه في الطريق اللاحب المعمور الذي يسلكه موكب الإيمان و الحمد و التمجيد . و هو موكب هذا الوجود كله بما فيه من أحياء و أشياء .
إن حياة الإيمان هي اليسر و الاستقامة و القصد . و حياة الكفر هي حياة العسر و التعثر و الضلال ...
فأيهما أهدى ؟ و هل الأمر في حاجة إلى إجابة ؟ إنما هو سؤال التقرير و الإيجاب !
و يتوارى السؤال و الجواب ليتراءى للقلب هذا المشهد الحي الشاخص المتحرك .. مشهد جماعة يمشون على وجوههم , أو يتعثرون و ينكبون على وجوههم لا هدف لهم و لا طريق . و مشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات , مستقيمة الخطوات , في طريق مستقيم لهدف مرسوم ] .
فحكم عقلك أخي الحبيب و اختر الطريق الذي يلحقك بموكب الإيمان موكب السعداء .
رابعاً : لماذا الاستقامة ؟
لأنها موافقة للكون من حولك فالكون كله مستقيم على أمر الله أرضه و سماءه جباله و بحاره وديانه و أنهاره دوابه و أشجاره كواكبه و نجومه الكون بأسره عابد لله عز وجل مطيع لسيده و مولاه قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)
فتأمل يا أخي الحبيب حال الكون من حولك كلٌ يسجد لله يعبد خالقه و مولاه الشمس تسجد القمر يسجد السماوات تسجد الجبال و الدواب و الأشجار
و الأنهار كلها مستقيمة عابدة لله تلهج بالتسبيح له سبحانه ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الاسراء:44)
يقول سيد رحمه الله : [ و هو تعبير تنبض به كل ذرة في هذا الكون الكبير , و تنتفض روحاً حية تسبح الله . فإذا الكون كله حركة و حياة , و إذا الوجود كله تسبيحة واحدة شجية رخية , ترتفع في جلال إلى الخالق الواحد الكبير المتعال .
و إنه لمشهد كوني فريد , حين يتصور القلب كل حصاة وكل حجر كل حبة و كل ورقة كل زهرة و كل ثمرة كل نبتة و كل شجرة كل حشرة و كل زاحفة كل حيوان و كل إنسان كل دابة على الأرض و كل سابحة في الماء و الهواء..و معها سكان السماء ..كلها تسبح الله و تتوجه إليه في علاه .
و إن الوجدان ليرتعش و هو يستشعر الحياة تدب في كل ما حوله مما لا يراه , و كلما يده أن تلمس شيئاً , و كلما همت رجله أن تطأ شيئاً .. سمعه يسبح الله و ينبض بالحياة ... و حين تشف الروح
الشمس و البدر من أنوار حكمته *** و البر و البحر فيض من عطاياه
الحوت سبحه و الوحش مجده *** و الطير عظمه و الكل ناداه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه *** والنحل يهتف حمدا في خلاياه
و الناس يعصونه جهراً و يسترهم **** و العبد ينسى و ربي ليس ينساه
أخي الحبيب إني أدعوك إلى موافقة الكون من حولك بالاستقامة على أمر الله لا تكن شاذاً ، الكون في اتجاه و أنت في الاتجاه المعاكس لا تكن عدواً للكون الذي تعيش فيه و تُمتع به فيبغضك كل شيء الأرض التي تمشي عليها و السماء التي تظلك و الماء الذي تشربه و الهواء الذي تتنفسه و الغذاء الذي تطعمه والثوب الذي تلبسه.... وغيرها من مخلوقات الله في هذا الكون .
أخي الحبيب إني أدعوك إلى موافقة الكون و عندما توافق الكون فتستقيم على أمر الله فإن الكون بأسره يمنحك الحب و الوداد يفرح لفرحك و يحزن لحزنك كيف لا و أنت تتفق معه في العبودية لله رب العالمين بل إنه من فرط حبه لك عندما يفجع بموتك يجهش بالبكاء و يخيم عليه الحزن و الأسى .
قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : أرأيت قول الله : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) فهل تبكي السماء و الأرض على أحد ؟ قال ابن عباس نعم : إنه ما من أحد إلا له باب في السماء ينزل منه رزقه و يصعد فيه عمله , فإذا مات المؤمن أغلق بابه في السماء فتبكي السماء و فقده مصلاه من الأرض الذي كان يصلي فيه فتبكي عليه الأرض 0
قال سعيد بن جبير : إن بقاع الأرض التي يصعد منها عمل المؤمن الصالح إلى السماء تبكي على المؤمن بعد موته
ما أجملها من حياة يحفها الحب و الوداد فإذا فارقها الإنسان فارقها و كل شيء يشتاق إليه و يحزن لفراقه فهل تتخذ القرار لتكون ذلك الرجل ؟
خامساً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة تحقيق للحكمة و الهدف من خلق الإنسان فلو وجهت السؤال لأي فرد من الناس ذكراً كان أو أنثى لماذا خلقت ؟ فسيجيبك دون تردد : خلقت لعبادة الله تعالى قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)
أخي الحبيب إني أدعوك لتحقيق الهدف من وجودك لتحقيق الغاية من خلقك أسأل نفسك السؤال السابق لماذا خلقت ؟ و كرر هذا السؤال لعل ذلك ينقذك من غفلتك و يعيدك من صبوتك .
إن المشكلة أخي الحبيب أن كثيراً من الناس يغفل عن هذا الهدف أو يتناساه فينهمك في دوامة الحياة و يغرق في بحر الهوى و الشهوات و تنسجُ الآمال حول عينيه نسيجاً سميكاً من الأحلام الدنيوية البحتة فلا يبصر ما وراءها فيظل يتخبط في بحار الأماني يبحث عن مخرج مما هو فيه و لا مخرج إلا بتحقيق ذلك الهدف فكرر أخي لنفسك السؤال و أعده مرة بعد أخرى لماذا خلقني الله ؟ عندها ستضع رجلك على بداية الطريق بإذن الله .
سادساً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة سبب للفوز بولاية الله عز و جل قال تعالى
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس: 62ـ64)
سئل شيخ الإسلام رحمه الله هذا السؤال : من هم أولياء الله تعالى فأجاب رحمه الله بقوله : من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه ) رواه البخاري .
إنها ولاية الله عز وجل للمستقيمين على أمره الذين يؤدون فرائضه و يتبعونها بالمحافظة على النوافل فتثمر تلك الولاية محبة الله لهم و إذا أحبهم الله فلا تسأل عما ينتج عن تلك المحبة كما قال عز وجل : (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنهّ ) تصبح الجوارح كلها محروسة بحراسة ربانية
و مضمونة بضمان إلهي فلا يسمع و لا يبصر إلا ما يرضي الله عز وجل ولا يبطش و لا يمشي إلا في طاعة بل يزيد على ذلك أن الله سبحانه يتردد في قبض روح ذلك العبد لأن الله يكره مساءته كما في الحديث السابق : ( و ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مساءته) .
فأي فوز يحققه المستقيم على أمر الله حين يفوز بولاية الله عز وجل له , بل إن الأمر يتعدى إلى أن الله تقدست أسماؤه و جلت صفاته يخبر جبريل عليه السلام بحبة ذلك العبد يسميه باسمه بل يأمر ملائكته بمحبة المستقيم و يُنزل الله له القبول في الأرض قال صلى الله عليه و سلم : ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل : إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) رواه البخاري و مسلم
أي كرامة تحققها يا عبد الله يوم يحبك من بيده ملكوت السماوات و الأرض
و أي فوز تظفر به حين يكون الكون كله خادم لك و ما أجمل قول القائل : من كان لله كان الله له و من كان الله له كان الكون كله له .
فهل تكون أخي الحبيب عبداً لله مستقيماً على أمره فتظفر بالكرامة الكبرى كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : أعظم الكرامة لزوم الاستقامة .