التقليد الاعمى
بسم الله الرحمن الرحيم
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :
إن مما ابتليت به الأمةُ الإسلاميةُ في هذه الأزمنة المتأخرة ظهورُ شباب متدين حماسي يقلدون بعضَ العلماء والمشايخ الذين يشارُ إليهم بالبنان من المعاصرين ...فتجدُ الواحدَ منهم لا يتركُ صغيرة ولا كبيرة من كلام العلماء والدعاة إلا وعمل بها ، وكأن أولئك الأفاضل لا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى !!!! .
تقول لأحدهم مثلا : المسألة فيها كيت وكيت وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فيرد عليك بجهل مركب وبلادة سمجة وهل أنت أعلم من الشيخ الفلاني والعلامة العلاني ؟؟ !! ولسان حالهم يقول :
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القولَ ما قالت حذام
[حذام : إسم امرأة ]
ويتجاهلون ما صرح به ربنا عز وجل في كتابه العزيز... {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}[الأحزاب: 21].
قال الحافظ بن كثير –رحمه الله- هذه الآية أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ...انتهى[ ج3 ص 477 تفسير القرآن العظيم]
والآيات التي ترغب المسلمين في التأسي بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا لا يستطاع حصرها في هذه العجالة ...ورحم الله الإمامَ مالك إذ يقول [كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحبَ هذا القبر ] يعني قبر النبي صلى الله عليه ...
ومما زاد الطين بلة أن جل الشباب أصبحوا يوالون من قلد بكرا ويعادون من خالف زيدا ، وهذا يذكرني بأولئك الأقوام الضلال – الصوفية- الذين يقولون لا تذكر الله -عز وجل- حتى يأذن لك الشيخُ شيخ الطريقة ، ولا تقل لا إله إلا الله إلا إذا أشار إليك الدجالُ بسبابته !!! والله المستعان .
المهم أن مصيبةَ التقليد الأرعن الذي ذكره أهلُ التراجم القدامى في تواليفهم مع ذكرنتف من التصرفات القبيحة والخبيثة الصادرة من المتعصبة أتباع المذاهب قد أطلت برأسها مرة أخرى في هذا الزمان ...فأصبح الأخُ يقاتل أخاه ويحارب أباه- ناهيك عن أصدقاءه ورفقاء دربه- من أجل مسألة فرعية ...الإختلاف فيها اختلاف تنوع لا غير[1]...
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن كثيرا من الشباب المذكورين آنفا يحتفظون بفتاوى قديمة لبعض العلماء قد أصدروها في نازلة من النوازل التي عاينوها حينذاك ، فيأتي مسكين من أولئك المساكين من الشباب بهذه الفتاوى ويطبقها على نازلة مستجدة لا تمت للأخرى بصلة ولا بسبب ولكن مادام أن الشيخَ والدكتورَ والعلامةَ قد أصدرها فلابد ولا مناص من تطبيقها والعمل بمضمونها مادامت السموات والأرض إلا ماشاء ربك ...
خذ على سبيل المثال حديث النبي صلى الله عليه وسلم [ أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ] وهو حديث صحيح غير ضعيف، محكم غير منسوخ قاله –صلى الله عليه وسلم- وهو على فراش الموت قبل وفاته بخمسة أيام ...ونحن نرى اليوم أن المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم قد طابوا نفسا وتفقئوا شحما في الجزيرة العربية ولا أحدَ يستنكر ولا أحدَ يتكلم... لماذا ؟ لأن العلامةَ والشيخَ والفقيهَ لم يتفوه بشيء ينص على ذلك وهو –عندهم – الأعلم والأحكم والأسلم والأدرى بالحديث المذكور ...زعموا... ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فيا أيها الشباب إن الأمر جللٌ وإن الوقت يمر [والأمة تعيش هذه الأيام في إدبار من الزمان وإقبال من الفتن والمحن ، تقلبت فيه أكثر الحقائق ، واختلت المفاهيم ، وطففت الموازين ، وتغيرت المسميات ، وغيبت المسلمات ، وامتدت من أهل الفجور الأعناق ، ونجم الزيغ والنفاق ، حتى عاد المعروف عند الكثير من المسلمين منكرا والمنكر معروفا ، كل هذا يوم وسد الأمر لغير أهله ، وتسنم المناصب أهل الفسق العاصين ، بله الكبائر المجاهرين][2] ...الله الله في الرجوع إلى الكتاب والسنة وعلى فهم سلف الأمة ، وعرض كلام العلماء والمشايخ على هذين الأصلين...وإياك إياك أن تقول ماقاله دريدُ بنُ صمة :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وأن ترشد غزية أرشد
[غزية : إسم قبيلة]
والله المسئول أن يوفقنا جميعا إلى كل مايحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه
كتبه أبو يوسف عبدالعزيز
_________________________ _______
1]اختلاف التنوع : وهو ما يكون كل الأقوال الواردة فيه صحيحة….فلا ينكر فيه على المخالف…ولا يبدع ولا يفسق ولا يكفر…
2] أحكام المجاهرين بالكبائر ص 5[/center][/size][/color][/font]
الأربعاء يونيو 11, 2008 11:46 am
