( سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري)
أنت تريد وأنا أريد ....
ولْنستمع إلى هذا الحديث القدسي الآخر : " أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلَّمت لي فيما أريد ، كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد " .
مـَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ *
( سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري)
" ابن آدم ، كن لي كما أريد ، ولا تعلمني بما يصلحك ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد " .
أنت تعامل مَن ؟ تعامل خالق الكون ، هل يعجزه شيءٌ في السماوات و الأرض ؟.
" ما ترك عبدٌ شيئاً لله ، إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه " .
(ذكره ابن كثير في تفسيره لسورة النحل ، الآية 40-41 ، من قول مجاهد)
" أوحى ربك إلى الدنيا ، أنه من خدمك فاستخدميه " ....
يحرق نفسه ، ويعيش في الهمِّ ، ويموت في الهمِّ ، وضغوط ، وهموم لا نهاية لها ، فخذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها همًّا .
" أوحى ربك إلى الدنيا ، أنه من خدمك فاستخدميه ، ومن خدمني فاخدميه " .
بالتعبير الدارج ، " حوينتك " ، أيْ خسارتك كبيرة كبيرة أن تكون لغير الله عزَّ وجل ، " حوينتك " ، وتكون قد احتقرتَ نفسك ، حين تبيعها لغير الله عزَّ وجل ، وربنا عزَّ وجل يقول :
( سورة فاطر )
قال بعض العلماء : القبر هو الشهوة ، هذا غريق ، قبره مزرعته ، وهذا قبره دكانه ، وهذا قبره بيته ، وهذا قبره هواياته ، بعض الناس يشاهد المباريات الرياضية خمس ساعات ، وكأن هذا أصبح ديناً جديداً ، فالوقت ثمين جداً ، لأنه العمر الذي تحياه .
لزم عقبةُ بن عامر الجهني رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم لزوم الظل لصاحبه ، فكان يأخذ له بزمام بغلته أينما سار .
فأنا قصدي أن هناك أعمالاً صالحة كثيرة ، فالزمْ عملاً صالحًا لوجه الله ، خدمة مسجد ، تأمين حاجة مؤمنين ، دعوة إلى الله ، رعاية أيتام ، رعاية فقراء ، تأسيس جمعيات خيرية ، تأليف كتب ، أن ترفع الإسلام على كتفيك ، أن تُسهم ، في نشر هذا الدين ، أن توقظ إنسانًا غافلاً عن الله ، إذا أردت أن تسعد فَأسعِد الآخرين ، أخرج من ذاتك إلى خدمة الآخرين .
واللهِ قال لي صديق ، وهو صادقٌ عندي ، وكان عائداً من مصيف ، يركب مركبته ، شاهد امرأة ، هذه القصة كانت وقت أحداث لبنان ، امرأة تحمل طفلاً صغيراً ، وإلى جانبها رجل ، وكأن هذه المرأة مضطربة ، فوقف ، وقال : ما المشكلة : طفل صغير حرارته "41 " درجة ، على مشارف الموت ، وهي امرأةٌ غريبة ، جاءت من لبنان مع زوجها ، لا تدري ماذا تفعل ؟ قال لي : واللهِ أركبتها هي وزوجها في السيارة ، وأخذتها إلى طبيب ، ثم إلى مستشفى للحقن ، ثم إلى صيدليات مناوبة ، وعدتُ بها إلى المكان الذي أخذتُها منه الساعة الرابعة فجراً ، أقسمَ لي بالله أنه بقي عشرة أيام مغموساً في سعادةٍ لا توصف ، فالمسلم يحتاج إلى عمل لوجه الله ، انطلِقْ ساعةً من نهار لله عزَّ وجل ، لا تبتغي بها إلا وجه الله عزَّ وجل ، وانظر كيف أن الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبك ، أحياناً يتعب الإنسانُ كثيراً ، فينام ساعة من الزمن فيرتاح ، لكن عندما يؤدّي عملاً لوجه الله ، يشعر أن الله راضٍ عنه ، أن الله يحبه ، فيرتاح راحةً نفسيةً تعوِّضه ما بذل من جهدٍ جسدي .
بعض إخواننا الذين يعملون في خدمة الفقراء ، يخرج من بيت ويدخل بيتًا في رأس الجبل، حتى يتفقد أحوال أسرة ، ليس له مصلحة شخصية ، بيته فخم ، وسيارته حديثة ، لكنه يتقصى أحوال الناس حتى يصل إلى رضاء الله عزَّ وجل ، الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله ، أنفعهم لعياله .
فهذا الصحابي لزم النبي عليه الصلاة والسلام .
أين أنتَ موظف ؟ واللهِ توظَّفتُ عند الله ، الوظائف عند الله عزَّ وجل كثيرة ، ليس له مِن ورائها مصلحة خاصة ، إما في الدعوة إلى الله ، أو في خدمة الخلق .
واللهِ من باب الشكر ، لا مِن باب الفخر ، لا والله ، دُعيتُ منذ فترة لإلقاء محاضرات على طلاب جيء بهم من أطراف الدنيا ، من الشاشان ، من الدول الإسلامية التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، من بلاد داغستان ، ومن الشاشان ، من يوغوسلافيا ، خطباء مساجد ، يحتاجون لمعارف كثيرة ، لإلقاء محاضرات ، واللهِ شعرتُ بسعادةٍ لا توصف ، كانت لوجه الله، ولم أبتغِ درهماً ولا دينارًا ، اسأل نفسك هذا السؤال مساءً : ما عملك ؟ ما العمل الذي تلقى اللهبه؟ خدمة ، دعوة ، تعليم ، معاونة ، تمريض مريض ، تأمين دواء لمريض ، زيارة فقير ، عيادة مريض ، رعاية أرملة ، رعاية يتيم ، إنقاذ حيوان.
فهذا سيدنا عقبة ، لزم النبي عليه الصلاة والسلام ، فكان كظله ، يمضي بين يديه أين اتجه، وكثيراً ما أردفه النبي وراء ظهره ، حتى دُعي برَدِيفِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وربما نزل له النبي الكريم عن بغلته ، ليكون هو الذي يركب ، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يمشي .......
تحدَّث عقبة فقال : كنت آخذًا بزمام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض طرق المدينة ، فقال لي النبي : اركب ، وهو يمسك بزمام البغلة ، قال لي : يا عقبة ألا تركب ؟ فهممتُ أن أقول : لا ، لكني أشفقت أن يكون في هذا معصيةٌ لرسول الله .
يا ترى أيُّهما أفضل ، الأدب أم الامتثال ، قلت : نعم يا نبي الله ، فنزل الرسول عن بغلته، وركبتُ أنا امتثالاً لأمره ، وجعل هو يمشي .
النبي يمشي ، وسيدنا عقبة راكب .
ثم ما لبثت أن نزلتُ عنها ، وركب النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم قال لي : يا عقبة ، ألا أعلِّمك سورتين لم يُرَ مثلهما قط ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فأقرأني ..
( سورة الفلق )
و
( سورة الناس )
ثم أُقيمت الصلاة ، وتقدَّم وصلّى بهما ، وقال : اقرأْهما كلّما نِمْتَ ، وكلّما قمتَ ، هذا توجيه النبي ، اقرأهما كلّما نمت ، وكلّما قمت ، قال عقبة : فما زلت أقرأهما ما امتدت بي الحياة ، قبل أن أنام ..
( سورة الناس )
إذا نام ..
( سورة الفلق)
إذا نام ، وإذا استيقظ ، جعل عقبة همه ، في أمرين اثنين ، العلم ، والجهاد ، وانصرف إليهما بروحه ، وجسده ، وبذل لهما من ذاته أسخى البذل ، وأكرمه .
أما في مجال العلم ، فقد جعل يعبُّ من مناهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
فكلّ أخ يحضر مجلس علم ، فلا بد أنْ يتعلم ، فاكتسِبْ لقب طالب علم ، عندنا وهْمٌ مؤلم جداً ، أنّ فلانًا ليس معه شهادة ، مَن قال لك ذلك ؟ هذا الذي حضر أكثر مِن عشر سنوات ، كل أسبوع أربعة دروس أو خمسة ، درس تفسير ، ودرس فقه ، درس حديث ، ودرس سيرة ، هذا صار عالم ، لأنه يتعلم ، ثم هذه المعلومات ، تتراكم ، تتراكم ، تتراكم ، والدليل سلوكه ، أديب، أخلاقي ، وفيّ ، صادق ، مستقيم ، عنده حياء ، منصف ، هذه الأخلاق كلُّها من هذا العلم .
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ *
( سنن الدارمي : رقم " 316 " )
يجب ألاّ تقللوا من قيمة حضور الدروس في المساجد ، هذه المساجد جامعات ، لكن من نوع آخر ، لا تحتاج لرسم دخول ، ولا في نهايتها امتحانات كتابية ، الامتحان في المسجد التطبيق ، إذا طبَّقت نجحت ، وإذا لم تطبق لم تنجح ، ما هي الجامعة ؟ مقعد ، وأستاذ ، وسبورة، وحديث ، وكتاب ، هذه هي الجامعة ، والجامع يؤدِّي الدورَ نفسه ، دينٌ ، وعلمٌ ، لكن المسجد يرقى بنفسه ويهذبها .
فهذا الصحابي الجليل ، جعل همه في أمرين اثنين : العلم ، والجهاد ، وانصرف إليهما ، بروحه ، وجسده ، وبذل لهما من ذاته أسخى البذل وأكرمه .
أما في مجال العلم فقد جعل يعبُّ من مناهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .. الثرَّة العذبة، حتى غدا مقرئًا .
واللهِ حينما يطلب مني أخٌ أن يتعلّم التجويد ، صدقوني يكبر في عيني كثيرًا ، لأنك أنت مسلم إنْ قدموك إلى الصلاة ، فأسقطتَ حكمين أو ثلاثة ، أسقطْتَ إدغامًا ، أو غنة ، ينتقدك المصلون ، فتعلّم ، وكلما كان السن أصغر كان أثرَ العلم أكبر ، وكلما كبر الإنسان فتعلُّمه كالكتابة على الماء، لأنّ إمكانية التلقِّي والتعلم تتناقض مع تقدُّم السنّ ، فتعلّم التجويد ، ماذا يشغلك ، احفظ من كتاب الله بعض السور ، وقمْ بعدد من المذاكرات مع إخوانك في القرآن الكريم ، قراءة ، وتجويدًا، وحفظًا ، هذا تجده في ساعاتٍ عصيبة ، ويصبح القرآن مؤنسًا لك .
ترك الغنيمات وتبع النبي عليه الصلاة والسلام ، فصار ، مقرئًا ، محدثاً ، فقيهاً ، فرضياً ، ومعنى فرضي ، أي عالماً بالفرائض ، أي علْم المواريث ، أديباً ، فصيحاً ، شاعراً ، وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الكريم ، وكان إذا ما سجى الليل ، وهدأ الكون ، انصرف إلى كتاب الله تعالى ، يقرأ من آياته البيِّنات ، فتصغي إلى ترتيله أفئدةُ الصحابة الكرام ، وتخشع له قلوبهم، وتفيض عيونهم بالدمع من خشية الله .
سيدنا عمر دعاه ، يوماً ، وقال له : اعرضْ عليَّ شيئاً من كتاب الله يا عقبة ، أسمعني ، فقال : سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين ، وجعل يقرأ له ما تيسر من آيِ الذكر الحكيم ، وعمر يبكي ، حتى بللت دموعُه لحيتَه ، وقد ترك عقبة مصحفاً ، مكتوباً بخط يده .
كان كاتبًا ، والكتابة نادرة وقتئذٍ ، ترك الغنمات ، لكن إياكم أن تدعوا أعمالكم ، لا، والله لا أقول هذا ، لكن أنا أخاف أن يستهلك العملُ صاحبَه ، أنا لا أدعوكم أبداً أن تدعوا أعمالكم ، لكن لا تسمح لعملك أنْ يستهلك كل وقتك ، أنت إنسان ، أنت مخلوق لعبادة الله عزَّ وجل ، لمعرفة الله ، لا تفهم مني مرةً ثالثة ، أن تدع العمل ، ولكن افهمْ مني ألاّ تسمح لمهنتك أنْ تقضيَ عليك ، ألاّ تسمح لبيتك أن يلهيك ، البيت له وقت ، والعمل له وقت ، وهناك وقت لله عزَّ وجل ، وهذا الوقت مقدَّس ، لا أعتدي عليه أبداً ، هذا وقت الله عزَّ وجل ، وحينما تمضي وقتاً في طلب العلْم فقد أدَّيت زكاة الوقت ، لأن الله عزَّ وجل قادر أنْ يتلف لك عشر ساعات بأتفه الأسباب ، إذا ضَنَنْتَ بساعة عن مجلس علم ، أتلف لك الله عزَّ وجل عشرَ ساعات بشيء تافه جداً ، يسافر إلى حلب كي يوقِّع معاملة ، أو يريد وثيقة ، فيرجع ويجدها غير مختومة ، لماذا لم تختمها ، ارجعْ مرة ثانية فاختمها ، ينكسر برغي في الآلة ، لا تجد من نوعه في بلدنا ، فتقف عند كراجات الأردن ، وكراجات لبنان ، وتوصي السائقين ، ساعات وساعات ، وأحيانا يقع خلل في صحة ابنك ، ثماني ساعات انتظارًا ، وتصويرًا ، وأشعة ، هذا كلُّه استهلاك للوقت .
لكن حينما تبذل وقتك في سبيل الله يبارك لك ربنا عزَّ وجل في وقتك ، ويطرح فيه البركة.
سيدنا عقبة ، ترك مصحفاً مكتوباً بخط يده ، وبقي مصحفه هذا ، إلى عهدٍ غير بعيدٍ ، موجوداً في مصر ، في الجامع المعروف بجامع عقبة بن عامر ، وقد جاء في آخره ، كتبه عقبة بن عامر الجهني ، ومصحف عقبة هذا ، من أقدم المصاحف ،التي وجدت على ظهر الأرض ، لكنه فُقد ، من جملة ، ما فقد من تراثنا الثمين ، ونحن عنه غافلون .
أما في مجال الجهاد ، فحسبنا أن نعلَم أنّ عقبة بن عامر الجهني شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أُحُداً ، وما بعدها من المغازي ، وأنه كان أحد الكماة الأشاوس المغاوير ، الذين أبلوا يوم فتح دمشق ، أعزَّ البلاء ، وأعظمه ، فكافأه أبو عبيدة بن الجراح على حسن بلائه ، بأن بعثه بشيراً إلى عمر بن الخطاب في المدينة ، ليبشِّره بالفتح ، فظلَّ ثمانية أيامٍ بلياليها ، من الجمعة إلى الجمعة ، يغِذّ السير دون انقطاعٍ حتى بشَّر الفاروق بالفتح العظيم .
انظرْ إلى الصحابة كيف كانوا ؟ رهبانًا في الليل ، فرسانًا في النهار ، فكان عقبةُ مجاهدًا ، شجاعًا ، بطلاً ، حافظًا قرآن ، كاتبًا ، فصيحًا ، محدِّثًا ، فقيهًا ، فرضيًّا .
ثم إنه كان أحد قادة جيوش المسلمين التي فتحت مصر ، فكافأه أمير المؤمنين ، معاوية بن أبي سفيان ، بأن جعله والياً عليها ثلاثة سنين.
سيدنا عقبة ، وَلِيَ مصر ثلاث سنين ، لأنه ترك الغنيمات ، والأصح أنه ما سمح للغنيمات أن يبعدنه عن رسول الله ، هذه أصح ، فلك أن ترعى الغنم ، ولك أن تتاجر ، ولك أن تعمل ، ولك أن تفتح مصنعًا ، لكنْ لا تسمح لعملك أن يستهلكك ، لا تسمح لبيتك أن يقضي عليك ، أنت مخلوقٌ لمعرفة الله ، قال تعالى :
(الذاريات ، الآية 56)
ثم وجَّهَهُ سيدنا معاوية بن أبي سفيان لغزو جزيرة رودس ، تصوَّروا هذه المهمة ، أعرابيٌّ لم يعرف البحر ، ولكنّ الله يسدِّده ، ويساعده .
أخيرًا صار قائدًا بحريًّا .
وقد بلغ مِن ولعِ عقبة بن عامر الجهني بالجهاد أنه وعى أحاديث الجهاد في صدره ، واختَّص بروايتها للمسلمين ، وأنه دأب على حذق الرماية ، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ*
( صحيح مسلم : رقم " 3541 " )
هذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلّى الله عليه وسلم ، الآن أحدث سلاح ، قيمته ، في دقة الإصابة ، من البحر الأحمر، إلى بناء معين ، في مدينة معيّنة .
....أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ....*
فكان هذا الصحابي الجليل قد دأب على حذق الرماية ، حتى إنه إذا أراد أنْ يتلهَّى تلهَّى بالرمي .
" علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"(1) .
كان الصحابة الكرام يركبون الخيل ، وبيد أحدهم السيف ، وبيده الأخرى حفنةٌ من قمح ، أو طحين ، أو من تمر ، وينطلقون إلى الجهاد ، وفي زماننا بيده الشراب المنعس وينطلق إلى ــــــــــــــ
(1) (أخرجه ابن منده في المعرفة عن بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري من غير قوله : وركوب الخيل ، وزاد : والمرأة المغزل)
الملعب ليشاهد المباراة ، لقد اختلف الأمر كلِّيًّا ، وهان المسلمون كثيرًا .
مرِض سيدنا عقبة بن عامر الجهني مرضَ الموتِ ، وهو في مصر ، فجمع بنيه وأوصاهم، فقال : - وبالمناسبة اليوم أحد إخواننا من شاشان من شمال الأرض ، قال : نحن لا نعرف شيئاً عن الإسلام ، لكن رجلاً من هذا البلد هاجر إلينا ، وعلَّمنا الدين ، وسمَّى اسمه ، قلت : سبحان الله ! واللهِ إنّه لعملٌ عظيم ، إنسان ترك بلاده ، وسافر مع زوجته ، وأولاده ، لبلادٍ نائيةٍ ، نائيةٍ ، بعيدةٍ ، بعيدةٍ ، لا تعرف شيئاً عن هذا الدين ، الذي بقي مقموعاً سبعين عاماً، هذا انتقل إلى تلك البلاد ليعلمهم دينهم ، وصلاتهم ، وصيامهم ، وقرآنهم ، وأين مات عقبة ؟ في مصر ، فقال بعد أنْ جمع بنيه : يا بني ، أنهاكم عن ثلاث ، فاحتفظوا بهن ، لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا من ثقةٍ ، ولا تستدينوا ، ولو لبستُم العباءة، ولا تكتبوا شعراً ، فتشغلوا به قلوبكم عن القرآن .
ولما أدركته الوفاة دفنوه في سفح المقطم ، ثم انقلبوا إلى تركته يفتشونها .
ماذا ترك ؟ فإذا هو قد خلَّف بضعًا وسبعينً قوساً ، مع كلِّ قوسٍ قرنٌ ونبال ، وقد أوصى بهن أن يُجعلن في سبيل الله .
نضَّر الله وجه القارئ العالم ، الغازي ، عقبة بن عامر الجهني، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً ، فهذا سيدنا عقبة بن عامر الجهني ، بفضل مؤاثرته رسول الله ، على دنياه المحدودة ، وصل إلى هذه المراتب ، وأختم بقول الله تعالى :
(سورة ق)