غطاهم بالكساء و دعا لهم.
6- قوله تعالى{ ويطهركم تطهيراً } ليس فيه إخبار بذهاب الرجس بل فيه أمر لمن نزلت فيهم الآية بالتزام طاعته لكي يحصل لهن التطهير ، لأنّ الله عز وجل يريد تطهيرهن ، وسياق الكلام الموجه لنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه كان يتضمن توجيهاً إلهياً إليهن بفعل أمور واجتناب أخرى وبين الله عز وجل أنه يريد منهن التزام هذه التوجيهات ليذهب عنهم الرجس بمقتضى أمره لهم ، وبامتثالهم لأمر الله وحفظه لوصاياه يحصل التطهير ، وهذا النمط من الخطاب استخدم الله عز وجل في آخرين كما في قوله تعالى للمؤمنين { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } وقوله تعالى { يريد الله ليبين لكم ويهديكم } وقوله تعالى { يريد الله أن يخفف عنكم } فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا لا أنها حصلت فعلاً ، ولو كان الأمر كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته ، وأبسط مثال يوضح ذلك هو أنّ الله عز وجل يريد على سبيل المثال للبشر كلهم أن يدخلوا الجنة وهذه الإرادة هي إرادة محبة ، وهناك إرادة له سبحانه كونية قدرية في هذا الشأن وهي أنه سيكون من البشر مؤمن وكافر وأنّ ما كل البشر سيدخل الجنة ، لأنّ الله سبحانه وتعالى العادل أعطى البشر الحرية في عمل الخير والشر لكي يحصل العدل بمجازاته ، ولو كان الإنسان مجبوراً على الخير فقط لما كان من العدل مجازاته أصلاً لأنه لو أراد الشر ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإرادة الله إدخال البشر كلهم إرادة محبة ولكنه ما من الواجب تحققها لأنّ الله نفسه لم يوجب حدوثها.
7- إنّ مضمون حديث الكساء أنّ النبي صلى الله عليه وآله دعا لهم بأن يُذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً ، وغاية ذلك أنّ يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين ، فإنّ الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط ، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير.
يقول الله تعالى { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } ويقول { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال تعالى { إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } ، فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين كذلك ، فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للمؤمنين الذين نصت الآيات على إرادة الله عز وجل تطهيرهم.
8- التطهير الوارد في الآية لا يعني العصمة بل التنزه عن الفواحش وهو استخدام شائع في القرآن الكريم كما قال تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها } وما من أحد يقول بأنها قصدت بالتطهير هنا العصمة بل التنزه من الفواحش ، وكذلك في قوله تعالى { و ثيابك فطهّر} وغيرها من الآيات ، وبالجملة لفظ ( الرجس ) أصله ( القذر )، يُطلق و يُراد به الشرك كما في قوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } ، ويُطلق ويُراد به الخبائث المحرّمة كالمطعومات والمشروبات كقوله تعالى { قل لا أجد فيما أُوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسق } وقوله { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } ولم يثبت أن استخدم القرآن لفظ ( الرجس ) بمعنى مطلق الذنب بحيث يكون في إذهاب الرجس عن أحد إثبات لعصمته.
9- مما يؤكد أنّ الآية لا تنص على وقوع التطهير بل على إرادة التطهير وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرص على أن يلحق أصحاب الكساء ما لحق زوجاته أمهات المؤمنين اللاتي نزلت فيهن الآية وفي إرادة تطهيرهن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه كان إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب علي وفاطمة ويقول: الصلاة يا أهل البيت { إنما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيراً } مذكّراً إياهم بالآية وحاضاً علياً على الخروج لصلاة الجماعة ، إذ بالمحافظة على الفرائض وبطاعة الله يحصل التطهير.
10- على فرض أنّ الآية نزلت في أصحاب الكساء لا في نساء النبي عليه الصلاة والسلام ، فإنّ التطهير الذي جاءت به الآية واقع لغيرهم أيضاً بنص القرآن كما قال تعالى عن المؤمنين { ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم } وغيرها من الآيات ، ولو كان في معنى إرادة التطهير معنى العصمة لوجب القول بعصمة جميع المؤمنين لنص الآية على إرادة الله تطهيرهم ، وهذا ما لا يقوله لا السنة والشيعة ، فكيف تطبق نظرية التطهير على أناس دون آخرين؟!! أليس في المسألة نوع من المزاجية وليس المنهجية العلمية.
و العجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة بل هم بالمقابل يقدحون فيهم ويقولون بانقلابهم على أعقابهم مع أنّ الله عز وجل نص على إرادة تطهريهم بنص الآية ، مفارقات عجيبة يُحار فيها العقل ولا تجد لها إلا إجابة واحدة ، إنه التعصب وما يفعله في أصحابه.
11- إذهاب الرجس لا يدل على معنى الإمامة ، ونحن بصدد البحث عن دليل على الإمامة ، فإن قيل بأنّ من مستلزمات الإمامة العصمة وأنّ من كان معصوماً وجبت إمامته ، قيل : وماذا تقول في السيدة فاطمة الزهراء التي هي أحد أصحاب الكساء؟ أتستطيع تطبيق نفس المبدأ عليها وبالتالي القول بأنها أحد الأئمة؟!! فإن قال: لا، قيل: قال الله تعالى { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } فإما أن تطبق ما تدّعية مائة بالمائة أو تقر ببطلانه ، لكن التشبت بالدليل بما يوافق الهوى و طرح ما يخالفه ما هو في الحقيقة إلا تلاعب بالقرآن الكريم ، و ما أرى من يسلك هذا الطريق يطلب الحق و هو يدّعي ما يدّعيه و يجره التعصب إلى الإصرار على الخطأ في فهم كتاب الله