كيف يقف الناس يوم الحشر ( 9 ) ااجتماع الخلق للحساب
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اجـتـمـاع الـخـَـلـْـق لـلـحـســـاب
الـحـارثـي الـمـحـاسـبـي رحـمـه الله تـعـالـى ، وصـف مـا يـقـع فـي يـوم الـحـسـاب مـن أهـوال وشـدة فـقـــال :
إذا اكـتـمـلـت عـدة الـمـوتـى ، وخـلـت مـن سـكـانـهـا الأرض والـسـمـاء فـصـاروا خـامـديـن بـعـد حـركـاتـهـم ، فـلا حِـسّ يُـسـمـع ، ولا شـخـص يُـرى ، وقـد بـقـي الـجـبـار الأعـلـى كـمـا لـم يَـزل أزلـيّـا واحـدًا مـنـفـردًا بـعـظـمـتـه وجـلالـه .
ثـم لـم يـفـجـأ روحـك إلا بـنـداء الـمـنـادي لـكـل الـخـلائـق مـعـك لـلـعـرض عـلـى الله عـز وجـل بـالـذل والـصـغـار مـنـك ومـنـهـم :
..... فـتـَـوَهـّـم كـيـف وقـوع الـصـوت فـي مـسـامـعـك وعـقـلـك .
..... وتـفـهـّـم بـعـقـلـك بـأنـك تـُـدعـى إلـى الـعـرض عـلـى الـمَـلِــك الأعـلـى .
..... فـطـار فـؤادك ، وشـاب رأسـك لـلـنـداء .
لأنـهـا صـيـحـة واحـدة لـلـعـرض عـلـى ذي الـجـلال والإكـرام والـعـظـمـة والـكـبـريـاء .
فـبـيـنـمـا أنـت فـزعٌ لـلـصـوت إذ ..... سـمـعـت بـانـفـراج الأرض عـن رأسـك ..... فـوثـبـت مُـغــْـبــَـرّا مـن قـرنـك إلـى قـدمـك بـغـبـار قـبـرك ..... قـائـمـًـا عـلـى قـدمـيـك .... شـاخـصًـا بـبـصـرك نـحـو الـنـداء ..... ورأيـت الـخـلائـق وقـد ثـاروا كـلـهـم مـعـك ثـورة واحـدة ..... وهـم مـغـبـرّون مـن غـبـار الأرض الـتـي طـال فـيـهـا بـلاؤهـم .
فـتـوَهـّـم ثـورتـهـم بـأجـمـعـهـم بـالـرعـب والـفـزع مـنـك ومـنـهـم .
فـتـوهـّـم نـفـسـك ..... بـعُـريّـك ومـذلـتـك ..... وانـفـرادك بـخـوفـك وأحـزانـك ..... وغـمـومـك وهـمـومـك فـي زحـمـة الـخـلائـق ..... عـراة ..... حُـفـاة .....صـامـتـيـن ..... بـالـذلـة والـمـسـكـنـة ..... والـمـخـافـة والـرهـبـة .
فـلا تـسـمـع إلا وقـع أقـدامـهـم وصـوت الـمـنـادي بـالـنـداء ..... الـخـلائـق مـقـبـلـون نـحـو الـمـنـادي ، وأنـت فـيـهـم مـقـبـل مـعـهـم نـحـو الـصـوت ..... سـاع ٍ بـالـخـشـوع والـذلـة .
حـتـى إذا وافـيـت الـمـوقـف ازدحـمـت الأمـم كـلـهـا مـن الـجـن والإنـس ..... عـراة حـفـاة ..... قـد نـُـزع الـمُـلـْـك مـن مـلـوك الأرض ، ولـزمـتـهـم الـذلـة والـصـغـار ، فـهـم أذل أهـل الـجـمـع وأصـغـرهـم خـلـقـة وقـدرا بـعـد عـتـوّهـم وتـجـبـرهـم عـلـى عـبـاد الله عـز وجـل فـي أرضـه .
ثـم أقـبـلـت الـوحـوش مـن الـبـراري وذرى الـجـبـال مـنـكـسـة رؤوسـهـا لـذل يـوم الـقـيـامـة بـعـد تـوحـشـهـا وانـفـرادهـا مـن الـخـلائـق ذلـيـلـة لـيـوم الـنـشـور ..... لـغـيـر بـلـيّـة نـابـتـهـا ولا خـطـيـئـة أصـابـتـهـا .
وأقـبـلـت الـشـيـاطـيـن بـعـد عـتـوّهـا وتـمـردهـا خـاشـعـة لـذل الـعـرض عـلـى الله سـبـحـانـه وتـعـالـى .
فـسـبـحـان الـذي جـمـعـهـم بـعـد طـول الـبـلاء ، واخـتـلاف خـلـقـهـم وطـبـائـعـهـم وتـوحّـش بـعـضـهـم مـن بـعـض ..... قـد أذلـهـم الـبـعـث وجـمـع بـيـنـهـم الـنـشـور .
**********
حـتـى إذا اكـتـمـلـت عـدة أهـل الأرض مـن إنـسـهـا وجـنـهـا وشـيـاطـيـنـهـا ووحـوشـهـا وسـبـاعـهـا وأنـعـامـهـا وهـوامـهـا ..... واسـتـووا جـمـيـعـا فـي مـوقـف الـعـرض والـحـسـاب ..... تـنـاثـرت نـجـوم الـسـمـاء مـن فـوقـهـم ..... وطـُـمِـسَـت الـشـمـس والـقـمـر ..... وأظـلـمـت الأرض بـخـمـود سـراجـهـا وإطـفـاء نـورهـا .
فـبـيـنـمـا أنـت والـخـلائـق عـلـى ذلـك إذ صـارت الـسـمـاء الـدنـيـا مـن فـوقـهـم ..... فـدارت بـعِـظــَـمِـهـا مـن فـوق رؤوسـهـم ..... وأنـت بـعـيـنـك تـنـظـر إلـى هـول ذلـك ..... ثـم انـشـقـت بـغِـلـظـهـا خـمـسـمـائـة عـام ..... فـيـا هـول صـوت انـشـقـاقـهـا فـي سـمـعـك ..... ثـم تـمـزقـت وانـفـطـرت بـعـظـيـم هـول يـوم الـقـيـامـة ..... والـمـلائـكـة قـيـام عـلـى أرجـائـهـا وهـي حـافـات مـا يـتـشـقـق ويـتـفـطـر .
فـمـا ظـنــّـك بـهَـوْل تـنـشـق فـيـه الـسـمـاء بـعِـظــَـمِـهـا ..... فـأذابـهـا ربّـهـا حـتـى صـارت كـالـفـضـة الـمـذابـة ..... تـخـالـطـهـا صُـفـرة لـفـزع يـوم الـقـيـامـة .
كـمـا قـال الـجـلـيـل الـكـبـيـر :
{ فـكـانـت وردة كـالـدهـان ... الـرحـمـن : 37 } { يـوم تـكـون الـسـمـاء كـالـمُـهــل * وتـكـون الـجـبـال كـالـعِـهــن * ... الـمـعـارج : 8 ــ 9 } .
فـبـيـنـا مـلائـكـة الـسـمـاء الـدنـيـا عـلـى حـافـتـهـا إذ انـحـدروا مـحـشـوريـن إلـى الأرض لـلـعـرض والـحـسـاب ، وانـحـدروا مـن حـافـتـيـهـا بـعِـظــَـم أجـسـامـهـم وأخـطـارهـم وعُـلـُـوّ أصـواتـهـم بـتـقـديـس الـمـلـك الأعـلـى الـذي أنـزلـهـم مـحـشـوريـن إلـى الأرض بـالـذلـة والـمـسـكـنـة لـلـعـرض عـلـيـه والـسـؤال بـيـن يـديـه .
فـتـوَهـّـم فـزعـك وفـزع الـخـلائـق وأنـت تـنـظـر مـعـهـم إلـى انـحـدار الـمـلائـكـة مـن الـسـحـاب بـعـظـيـم أخـطـارهـم وكـبـيـر أجـسـامـهـم وهـول أصـواتـهـم وشـدة فـَـرَقِـهـم مـنـكـسـيـن لـذل الـعـرض عـلـى الله عـز وجـل ... فـيـا فـزعـك والـخـلـق مـعـك مـخـافـة أن يـكـونـوا أمِـروا بـكـم ..... ومـسـألـتـكـم إيـاهـم ..... أفـيـكـم ربـنـا ؟
فـفـزع الـمـلائـكـة مـن سـؤالـهـم إجـلالا لـمـلـيـكـهـم أن يـكـون فـيـهـم ..... فـنـادوا بـأصـواتـهـم تـنـزيـهـا لِـمَـا تـوَهـّـمَـهُ أهـل الأرض :
سـبـحـان ربـنـا ... لـيـس هـو بـيـنـنـا ..... لـكـنـه آتٍ مـن بـعـد .
حـتـى إذا أخـذوا مـصـافـهـم مـحـدقـيـن بـالـخـلائـق مـنـكـسـيـن رؤوسـهـم لـذل يـومـهـم ..... فـتـوَهـمـهـم وقـد تـسـربـلـوا بـأجـنـحـتـهـم ، ونـكـسـوا رؤوسـهـم فـي عـظـم خـلـقـهـم بـالـذل والـمـسـكـنـة والـخـشـوع لـربـهـم ، ثـم كـل شـيء عـلـى ذلـك وكـذلـك إلـى الـسـمـاء الـسـابـعـة ..... كـل أهـل سـمـاء مـضـعـفـيـن بـالـعـدد وعِـظـم الأجـسـام وكـل أهـل سـمـاء مـحـدقـيـن بـالـخـلائـق صـفـًا واحِـدًا .
فـإذا وافـى الـمـوقـف أهـل الـسـمـوات الـسـبـع والأرضـيـن الـسـبـع ..... كـُسِـيَـت الـشـمـس حَـرّ عـشـر سـنـيـن وأدنِــيَـتْ مـن رؤوس الـخـلائـق قـاب قـوس أو قـوسـيـن ..... ولا ظـل لأحـد إلا ظـل عـرش رب الـعـالـمـيـن ..... فـمـن بـيـن مـسـتـظـل بـظـل الـعـرش ..... وبـيـن مـضـحـو بـحـر الـشـمـس قـد صـهـرتـه بـحَـرّهـا ، واشـتـد كـربـه وقـلـقـه مـن وهـجـهـا...... ثـــــم :
..... ازدحـمـت الأمـم وتـدافـعـت ..... فـدفـع بـعـضـهـم بـعـضـا .
..... وتـضـايـقـت الأجـسـاد فـاخـتـلـفـت الأقــــدام .
..... وانـقـطـعـت الأعـنـاق مـن شـدة الـعـطــش .
..... واجـتـمـع حَـــرّ الـشـمـس ووهَــج أنـفـاس الـخـلائـق وتـزاحـم أجـسـامـهـم .
..... فـفـاض الـعـرق مـنـهـم سـائـلا حـتـى اسـتـنـقـع عـلـى وجـه الأرض ثـم بـان عـلـى الأبـدان عـلـى قـدر مـراتـبـهـم ومـنـازلـهـم عـنـد الله عـز وجـل بـالـسـعـادة والـشـقـاء .
حـتـى إذا بـلـغ مـن بـعـضـهـم الـعـَـرق كـعـبـيـه ..... وبـعـضـهـم حـقـويـه ..... وبـعـضـهـم إلـى شـحـمـة أذنـيـه ..... ومـنـهـم مـن كـاد أن يـغـيـب فـي عَـرقـه .
**********
عـن عـبـدالله ابـن عـمـر رضي الله عـنـه قـال :
قـال رسـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم :
(( إن الـرجـل ... وقـال مـرّة ... إن الـكـافـر ...لـيـقـوم يـوم الـقـيـامـة فـي بـحـر رشـحـه إلـى أنـصـاف أذنـيـه مـن طـول الـقـيـام )) .... مـتـفـق عـلـيـه . والأحـاديـث فـي ذلـك كـثـيـرة ، ومـن اراد الـزيـادة يـجـدهـا فـي الـصـحـيـحـيـن .
**********
فـلـمّـا بـلـغ الـمـجـهـود مـن الـخـلائـق مـا لا طـاقـة لـهـم بـه ..... كـلـّـم بـعـضـهـم بـعـضـا فـي طـلـب مَـنْ يـكـرم عـلـى مـولاه عـز وجـل أن يـشـفـع لـهـم فـي الـراحـة مـن مـقـامـهـم ووقـوفـهـم .
فـفـزعـوا إلـى آدم ونـوح ومـن بـعـده إبـراهـيـم ، ومـوسـى وعـيـسـى مـن بـعـد إبـراهـيـم عـلـيـهـم الـصـلاة والـسـلام جـمـيـعـا ..... كـلـهـم يـقـول :
إن ربـي قـد غـضـب الـيـوم غـضـبـا لـم يـغـضـب قـبـلـه مـثـلـه ولا يـغـضـب بـعـده مـثـلـه .... فـكـلـهـم يـذكـر شـدة غـضـب ربـه عـز وجـل .... ويـنـادي بـاشـتـغـالـه بـنـفـسـه فـيـقـول :
نـفـسـي ..... نـفـسـي ..... فـيـشـتـغـل بـنـفـسـه عـن الـشـفـاعـة لـهـم إلـى ربـهـم لاهـتـمـامـه بـنـفـسـه وخـلاصـهـا .
قال الله تعالى
{ يـوم تـأتـي كـل نـفـس تـجـادل عـن نـفـسـهـا .... الـنـحـل : 111 } .
فـتـوهّـم أصـوات الـخـلائـق وهـم يـنـادون بـأجـمـعـهـم ..... مـنـفـرد كـل واحـد مـنـهـم بـنـفـسـه ..... يـنـادي ..... نـفـسـي ..... نـفـسـي ..... فـلا تـسـمـع ذلـك الـيـوم إلا نـفـسـي نـفـسـي .
فـيـا هـول ذلـك الـيـوم وأنـت تـنـادي مـعـهـم بـالـشـغـل بـنـفـسـك والاهـتـمـام بـخـلاصـهـا مـن عـذاب ربـك وعـقـابـه .
فـمـا ظـنــّـك بـيـوم يـنـادي فـيـه :
..... الـمـصـطـفـى آدم عـلـيـه الـسـلام .
..... نـوح عـلـيـه الـسـلام .
..... الـخـلـيـل ابـراهـيـم عـلـيـه الـسـلام .
..... الـكـلـيـم مـوسـى عـلـيـه الـسـلام .
..... الـروح والـكـلـمـة عـيـسـى عـلـيـه الـسـلام .
مـع كـرامـتـهـم عـلـى الله عــز وجــل .... وعـظـم قــَـدر مـنـازلـهـم عـنـد الله عـز وجـل .
كـلٌ مـنـهـم يـنـادي : نـفـسـي ..... نـفـسـي .... خـوفـا وشـفـقـا مـن غـضـب الـمـلـك الـجـبـار .
فـأيـن أنـت مـنـهـم فـي إشـفـاقـك فـي ذلـك الـيـوم واشـتـغـالـك ..... وبـحـزنـك .... وبـخـوفـك .... مـن الـذنـوب والـمـعـاصـي الـتـي تـحـمـلـهـا عـلـى ظـهـرك .
حـتـى إذا آيـس الـخـلائـق مـن شـفـاعـتـهـم لِـمَـا رأوا مـن اشـتـغـالـهـم لأنـفـسـهـم .
أتـوا سـيّـد الـخـلائـق الـحـبـيـب الـنـبـي محمد صلى الله عـلـيـه وسـلـم ..... فـسـألـوه الـشـفـاعـة إلـى ربـهـم ... فـأجـابـهـم إلـيـهـا .
ثـم قـام إلـى ربـه عـز وجـل ..... واسـتـأذن عـلـيـه فـأذن لـه ..... ثـم خـرّ لـربـه سـاجـدًا .... ثـم فـتـح الله عـلـيـه مـن مـحـامـده والـثـنـاء لِـمَـا هـو أهـلـه عـز وجـل .... والـخـلائـق كـلـهـم فـي صـمـت .
كـل ذلـك تـسـمـعـه بـإذنـك ..... وتـسـمـعـه الـخـلائـق بآذانـهـم .
فـيـجـيـبـه ربـه عـز وجـل إلـى تـعـجـيـل عـرضـهـم والـنـظـر فـي أمـورهـم .
**********
تـذكــرت الـمُـكـْــثَ فـي الـتـراب حـتـى أنــادَى إلـى الـحــسـاب
هـَـوّن كــل الـبـــــلاء عــنـــدي وهـكــذا الــفــقــد لـلـشــــبــاب
فـلـيـت شِـعـْـري وكـم مـقـامـي تـحـت الـثـرى أو مـتـى إيـابـي
لـو كـان لـي عـقـل مـا هـنـانـي نـومـي ولا سـاغ لـي شـرابـي
ولا ضـحـكــت ولـسـت أدري مـا لـي لــدى الله مـن حـســـــاب
**********