السلفية و الطرقية-للشيخ العلامة الفاروقي الرحالي المغربي رحمه الله
السلفية و الطرقية
للشيخ الرحالي الفاروقي رحمه الله
نبذة تعريفية بالشيخ الرحالي الفاروقي
هو الشيخ الرحالي بن رحال بن العربي الحمومي السرغيني ، ولد عام 1315 على الأغلب ، حفظ القرآن من طفولته و أتقنه و رسمَه بالقراءات السبع . درس بمراكش و القرويين ، و خطب في جامع الكتبيين و تولى رئاسة الجامعة اليوسفية بمراكش، و أسند إليه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله عمادة كلية اللغة ، ودراسة مادة الحديث بدار الحديث الحسنية ، ورئاسة المجلس العلمي لتانسيفت ، وألقى عددا من الدروس الحسنية الرمضانية .
من مؤلفاته :
ثناء أهل العلم عليه :
قال الشيخ العلامة محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله في معرض كلامه عن الملك الحسن الثاني رحمه الله :" ومنها كثرة الدعاء في عهده الميمون إلى الإصلاح بإتباع كتاب اله وسنة رسوله، وترك كل ما خالفهما، فإن ذلك يقع بحضرته الشريفة، كما هو ظاهر من خطب العلامة الفاروقي"( أئـمة الدولـة العلـوية وتمسـكهم بكتـاب الله وبيان رسوله الكريم)
و قال عنه الشيخ عبد الله كنون رحمه الله : "كانت تتحقق فيه صفات العالمية الفذة بأصدق مدلولاتها مما يعز له النظير ، و يتعذر تعويضه ولو بالعدد الكثير ....لا يخلط علمه بالغيبيات التي لا ثبوت لها و لا يجعله مطية التدجيل ، و فتنة الناس ، وصرف الوجوه إليه ..."(علماء جامعة ابن يوسف .لأحمد متفكر ص:278).
توفي رحمه الله يوم الإثنين 18 جمادى الثانية عام 1405 هجري
1-الإعلام و الإشادة بما انطوت عليه مقدمة البداية : و هو تعليق على بداية المجتهد لابن رشد. 2- كتاب في ذكر التوحيد و الإشادة بفضله. 3- كتاب حول الجناب المحمدي 4- إرشاد كل تائه و غافل و ساري إلى الحديث الذي ختم به الإمام البخاري. 5- فتاوى فقهية و أحكام شرعية 6- تحقيق لسورتي البقرة و آل عمران من تفسير ابن عطية 7- مطارحات أدبية . و غيرها . نص المقال (بتصرف):
السلفية كلمة فاضلة، تعتمد حياةَ المجتمع الإسلامي الأول، و العصرَ الذهبي الذي يتكون من عصر النبي صلى الله عليه و سلم، و عهد الخلفاء الراشدين، و أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مباشرة، كما أخذ الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي صلى الله عليه و سلم مباشرة، و شاهِد ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
و بعبارة أخرى السلفية هي ملاقاة الإسلام الصحيح الذي لا تخالطه الخرافات و التُّرَّهات، و البدائع و المحدثات، و أعني بالمحدثات كل ما لا تقبله طبيعة الإسلام، و لا يدخل في أهدافه و مقاصده، و لا في عموماته و إطلاقاته، و قد تتبدل الحياة في أعرافها و أشكالها، و لكنها لا تتبدل في روحها و جوهرها، و بهذا يتضح أن السلفية عبارة عن ربط الخَلَف بالسلف في العقيدة و المذهب، و في السبب و المسبب، فليست السلفية دعوة بعيدة عن الإسلام، و لا دعوةٌ مجردة، بل هي وسيلة إلى حياة إيجابية، أي إلى السير في درب الإسلام، و القيام على جادته و صراطه المستقيم.
فإذا ما أحس القادة المصلحون، و العلماءُ المخلصون أن المسلمين غيّروا عقائدهم، و خلَطوا عملا صالحا و آخرا سيئا، بادروهم بالدعوة إلى ما كان عليه السلف الصالح ، حتى لا يَخرِقوا سياجَ الشريعة، و لا يخرُجوا عن دائرة العقيدة، و هذا ما جعل الحركة السلفية تظهر في زمن معين، و من حين لآخر.
فالحياة الإسلامية مراقَبَة من الله و رسوله و المومنين الظاهرين على الحق، الذين اختارهم الله لهذا الغرض: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ "
و كان من سنة الله في الرسالات، أنه كلما ابتعدت قافلة الزمن، و أصاب التعاليمَ السماويةَ، ما يُغَير صفوَها، و يُعكر جريَها: "يبعث الله من يجدد أمر دينه على رأس كل مائة"، كما ورد في الحديث الذي رواه أبو داوود في سننه، و كان المجدد في المائة الثالثة حسب نظرية الإمام ابن السبكي رحمه الله في الطبقات، الشيخ أبا الحسن الأشعري رحمه الله، و هكذا درج الأمر، ففي كل مائة سنة يقيض الله من يجدد أمر هذه الأمة، حتى يبقى صافيا من العفونات و الكدورات، و نقيا من أغراض التأويلات و التعسفات. و إذن فالسلفي هو من قام على صراط الإسلام المستقيم، و مذهبِه السليم، بحيث لا يَرُوغ عنه بحال من الأحوال، و لا يُلَفق بينه و بين غيره، و لا يُؤَوِّل النصوص حسب أهوائه و نزعاته.
و على هذا الأساس قامت السلفية أخيرا في المغرب، و كان أبرزُ قادتها و مؤسسيها المولى محمد بن عبد الله العلوي رحمه الله، فقد سلك هذا المسلك، و أرسى العقيدةَ السلفيةَ، و أبطل ما ألصق بالشريعة الإسلامية، كما قامت في أوائل هذا القرن على يد الشيخ أبي شعيب بن عبد الرحمن الدكالي الذي تلقى معارفه أولا بالمغرب، و ثانيا بالمشرق، و لا ريب أن سلفية المغرب قد تأثرت بسلفية المشرق في نهضته الحديثة
و بهذا تكون السلفية في المغرب مرتبطة من قريب أو بعيد بالسلفية في المشرق، و كما أن دعوة الإسلام جاءت من المشرق، و لا جرم أن تكون الدعوة السلفية كذلك، فإن المغرب مرتبط بالمشرق ارتباطا روحيا و فكريا، فالخير من الشرق و الشر من الغرب.
و السلفية ما هي إلا دعوة إلى العودة إلى الأخذ بما في كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ليست شيئا آخر غير هذا، فإذا رأى العلماء، القائمون على هُدًى من الله و تقوى، أن المسلمين زاغوا و راغوا عن طريق الإسلام، و نادوا عليهم بالرجوع إلى مكان الدعوة الإسلامية حتى لا يمزقوا إطار الشريعة، و لا يخرجوه عن دائرة الامتثال.
و من هذا القبيل ما نادى به مؤتمر الفقه الإسلامي المنعقد بالرياض في المملكة العربية السعودية في أوائل شهر ذي القعدة عام 1396، فإن العلماء الآخذين بالزمام لما شعروا بضعف العقيدة، و الخروج عن الجادة و تخاذل المسلمين و تشتتهم، و تلاعب الأعداء بهم، و تدارسوا ذلك، أصدروا توصياتهم بالعودة إلى المعين الصافي، و المورد الكافي، أعني نظام الإسلام الصحيح، المأخوذ من الكتاب و السنة، و عسى أن تجد هذه الدعوة أذانا صاغية و قلوبا واعية، فتعود الأمة إلى رشادها، و الحكومات إلى صوابها، و يسيرون جميعا في الطريق الأصيل، عوضا عن الطريق البديل.
و من المعروف أن كل دعوة لا بد لها من قوة تجعلها قادرة على حل المشاكل السياسية، و علاج المسائل الاجتماعية، إلا إذا آمن القائمون على الشعوب بأنظمتها و برامجها، أو فرضت فرضا بالقوة، و أما إذا كانت لا تتمتع بهذا القدر فهي مجرد توجيه و تنبيه يمكن أن يقبل، و يمكن أن لا يقبل فلا تطبق تطبيقا سليما.
و يوضح هذا أن العالم الإسلامي أصبح في الميزان، لأن النظام المادي باتت له السيطرة على حياة الإنسان و سياسته العامة، و أن الشعوب الذين تأخروا عن الركب الناهض، عادوا مضطرين إلى تبعية هذا النظام و تقليده، لا في حل المشاكل، بل حتى في تشكيل المشاكل، و تأييد الأباطيل، و لو أتيح للسلفية أن تساهم في حل المشاكل لفعلت، و لكن لكل نظام طبيعةٌ، و النظام المادي المسيطر لا يسمح لنظام آخر أن يزاحمه في فلسفته المادية و فكرته الأساسية.
و موقف السلفية من وحدة العالم العربي الإسلامي هو موقف الإسلام الذي يتلخص في قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا " ، و في قوله تعالى: " وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ " ، فالجامعة الإسلامية، و الخلافة العمومية في سر قيام الوحدة بين المسلمين، و لو اجتمعوا على أساس كتابهم، و سنة نبيهم صلى الله عليه و سلم، لكان لهم شأنٌ و وزنٌ آخر في العالم، و معلوم أن الإسلام ثورة على الأوضاع الفاسدة، و نهضة من الأرض إلى السماء.
و كان ينبغي أن يسبق اتحادَهم و اجتماعَهم نهضةٌ تعليميةٌ ليَقل الجهلُ، و نهضةٌ اقتصاديةٌ ليخِفَّ الفقر، و عند تقارب المستوى الاقتصادي و الثقافي، يسهل الاتحاد بحول الله تعالى، إلا أن الأوضاع القائمة لا يرضى عنها الإسلام، لأن المسلمين متخالفون و متنازعون في حياتهم و في سياستهم، و لأنهم أتباع الضفة الشرقية، أو الضفة الغربية، و هما كالنقيضين لا يجتمعان و لا يرتفعان.
و أما الطرقية التي يقوم بها بعض كبار المشايخ ، فهي تتصل بفريق من المجتمع تربيه تربية خاصة ، و تعتمد الاجتماع للذكر و القيام بوظائف دينية، إلا أنها لا تشمل المجتمع كله، و لا تتناول الحياة العامة تناولا مباشرا .
و أما الوطنية المتعارفة، فمفهومها مفهوم سياسي، و أصحابُها يحترفون السياسة، و يخدمونها حسب البرنامج الموضوع لها، و لا يعنيهم أن يكون البرنامج جاريا على طريقة الإسلام الصحيح.
نعم إذا كانت الوطنية تومِن بخدمة مصالح المسلمين الدينية و الدنيوية، و تهتم بقضاياهم في زمان و مكان، و تبحث عما يدعم حياتهم التحررية، و يعزز قوتهم الدفاعية على أساس إسلامي فهي من لباب الإسلام و سلاف الدين، و بذلك فقط يمكن أن تكون النسبة بين السلفية و الطرقية جزئية، و بينها و بين الوطنية سواسية، و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل.
[img][/img]